الأخبارالعلومكيف تعمل الاشياء

الانفجار الكبير قد يكون سراب ثلاثي الأبعاد

ما هو الانفجار الكبير

الانفجار الكبير هو النظرية الأكثر قبولا في علم الفلك لشرح أصل وتطور الكون. تقول هذه النظرية إن الكون بدأ من حالة شديدة الكثافة والحرارة قبل حوالي 13.7 مليار سنة، ثم انفجر وتمدد بسرعة هائلة، وما زال يتمدد حتى الآن.

وايضا من خلال هذا التمدد، تشكلت المادة والطاقة والقوى الأساسية والجسيمات الأولية، وتبرد الكون تدريجيا ليسمح بتكوين الذرات والجزيئات والنجوم والمجرات.

ما الذي تسبب في الانفجار الكبير؟

 ما هي القوة أو العامل الذي أطلق هذا الحدث المذهل؟ هذا هو سؤال صعب للغاية، ولا يوجد إجابة نهائية أو مؤكدة عليه. فقبل الانفجار الكبير، لم يكن هناك زمان أو مكان، ولا يمكن تطبيق قوانين الفيزياء التي نعرفها على حالة التفرد التي كان فيها الكون. التفرد هي ظاهرة غامضة لا يمكن فهمها بسهولة، حيث تصبح كثافة المادة لانهائية وتختفي أبعاد المسافة. توجد التفردات في مراكز الثقوب السوداء، حيث تنهار المادة تحت قوة جاذبية هائلة.

ولذلك، فإن بعض العلماء يحاولون إيجاد نظريات بديلة أو مكملة لنظرية الانفجار الكبير، تشرح ما كان قبله أو ما سببه. ومن بين هذه النظريات:

نظرية “الارتداد الكبير” Big Bounce:

تقول هذه النظرية إن الانفجار الكبير لم يكن بداية الكون، بل كان نتيجة انهيار كون سابق في حالة التفرد. وبهذه الطريقة، يمر الكون بدورات متتالية من التمدد والانكماش، دون بداية أو نهاية.

نظرية “الثقب الأسود” Black Hole:

تقول هذه النظرية إن كوننا قد نشأ من انهيار نجم في كون رباعي الأبعاد (أي كون له أربعة أبعاد مكانية بدلا من ثلاثة). فعند انهيار نجم في كون رباعي، يتشكل ثقب أسود رباعي له أفق حدث ثلاثي (أي حدود ثلاثية الأبعاد تحده من جميع الاتجاهات). وقد يولد هذا الثقب أسود كونًا جديدًا ثلاثي الأبعاد خارج أفق حده، يتطابق مع كوننا.

نظرية “التضخم المتعدد” Multiverse Inflation:

تقول هذه النظرية إن كوننا هو جزء من مجموعة كبرى من الأكوان المتشابهة أو المختلفة جزئيًا عن بعضها. وقد نشأت هذه المجموعة من عملية التضخم Inflation، وهي فترة سابقة للانفجار الكبير شهد فيها التفرد تمددًا فائقًا سريعًا. وخلال هذه الفترة، قد تحصل اضطرابات عشوائية في المادة والطاقة تؤدي إلى تشكيل فقاعات جديدة من التضخم، تصبح كلا منها كونًا مستقلا.

الكون الثلاثي الأبعاد حول ثقب أسود رباعي الأبعاد

لحدث الكارثي الكبير – الحدث الذي دفع الكون إلى الوجود قبل 13.7 مليار سنة؟ قبل الانفجار الكبير، لم يكن هناك شيء موجود، لا مادة ولا طاقة ولا زمان ولا مكان. كان كل شيء مضغوطا في نقطة صغيرة جدا لا تقاس، تسمى التفرد. وفي لحظة معينة، انفجرت هذه النقطة بقوة هائلة، وأطلقت كميات هائلة من المادة والطاقة في كل اتجاه. وبدأت هذه المادة والطاقة تتمدد وتتبرد، وتشكلت منها الجسيمات الأولية مثل البروتونات والنيترونات والإلكترونات. وبعد ثوان من الانفجار، بدأت هذه الجسيمات تتحد لتشكل نوى ذرية بسيطة مثل نوى الهيدروجين والهيليوم. وبعد دقائق من الانفجار، توقف تشكيل النوى بسبب انخفاض درجة الحرارة. وظل الكون في حالة ساخنة وكثيفة لمئات آلاف السنين، حتى برد بما يكفي لتشكل ذرات مستقرة من الهيدروجين والهيليوم. وعندئذ، أصبح الكون شفافا للضوء، وانطلق إشعاع كهرومغناطيسي في كل اتجاه. هذا الإشعاع هو ما نراه الآن باسم إشعاع الخلفية الميكروي.

 كيف نعرف أن هذا ما حدث في بداية الكون؟

ما هي الأدلة التي تدعم نظرية الانفجار الكبير؟ هناك عدة أدلة مقنعة تشير إلى صحة هذه النظرية، منها:

– انزياح أحمر للمجرات: عام 1929، اكتشف عالم الفلك إدوين هابل أن المجرات تبتعد عن بعضها بسرعات تزداد كلما ازدادت المسافة بينها. هذا يعني أن الكون يتمدد باستمرار، وأن المجرات كانت أقرب إلى بعضها في الماضي. وإذا عكسنا حركة التمدد، فإن المجرات ستصبح في نقطة واحدة في بداية الزمان.

– اختلافات في درجة حرارة إشعاع الخلفية الميكروي: على الرغم من أن إشعاع الخلفية الميكروي يبدو متجانسا في جميع أنحاء الكون، إلا أنه يحتوي على اختلافات طفيفة في درجة الحرارة تصل إلى جزء من عشرة آلاف من درجة كلفن. وقد رصدت هذه الاختلافات بدقة عالية من قبل مرصد كوبي COBE ومرصد ويلكنسون WMAP ومرصد بلانك Planck. وتشير هذه الاختلافات إلى أن المادة في الكون لم تكن موزعة بانتظام في بدايته، بل كانت هناك تجمعات صغيرة للمادة تحت تأثير الجاذبية. وهذه التجمعات هي التي أدت إلى تشكيل المجرات والعناقيد والأقزام في وقت لاحق.

– نسبة عناصر الكون: تقول نظرية الانفجار الكبير إن معظم المادة في الكون تتكون من عنصري الهيدروجين والهيليوم، مع كمية قليلة من عنصر الليثيوم. وهذه التكوين يتفق مع الملاحظات التجريبية للمادة في المجرات والنجوم. وتشير حسابات نظرية إلى أن هذه العناصر تشكلت في ثلاث دقائق بعد الانفجار، عندما كانت درجة حرارة الكون كافية لحدوث ردود فعل اندماج نووية. وأثبت التجارب في المسرعات أن هذه ردود فعل ممكنة في ظروف مشابهة.

– نظرية التضخم: تقول هذه النظرية إضافية إلى نظرية الانفجار الكبير إن التفرد تمدد بشكل هائل في اجزاء من ثانية، قبل أن يبدأ التمدد المستمر. وهذا التضخم يشرح لماذا يبدو الكون متجانسًا ومسطحًا في المقاسات الكبرى، رغم اختلافات درجات حرارة إشعاع الخلفية الميكروي. كما يشرح أصل هذه الاختلافات بأنه ناتج عن اضطرابات كمية Quantum Fluctuations في حقول المادة والطاقة خلال فترة التضخم.

الخاتمة:

و في النهاية، بالرغم من أن فكرة أن الانفجار الكبير قد يكون “سراب” ثلاثي الأبعاد تبدو غريبة وصعبة التصور، إلا أن الباحثين يقدمون حججًا مدعومة بالرياضيات الحديثة التي تصف المكان والزمان.

يتمثل تحديهم في فهمنا المحدود للكون والتفردات، ولكن الفكرة تقدم منظورًا جديدًا يحل الألغاز الكونية القديمة ويوفر توقعات قابلة للاختبار. ومع ذلك، لا يزال الكثير من الأبحاث والتحليل اللازم لتأكيد أو نفي هذه الفرضية.